اسم وصفات المهدي في نبوءات الأنبياء  (هشام عبدالحميد)

لن نركز في هذا البحث علي الروايات والأحاديث التي كثر الكلام واللغط فيها حول علامات خروج المهدي والحروب التي سيخوضها …….الخ ، ومعظمها أحاديث مضروبة يعني تايواني أو صيني ( أي غير أصلية فهي أما ضعيفة أو موضوعة أومفبركة) تحتاج عند تناولها للحرص الشديد والتدقيق في مضامينها بعناية ، فسوف نركز في هذا البحث علي كشف ما لا يعرفه الناس عن المهدي سواء بالنسبة للعلامات الدالة عليه كاسمه أو صفاته الجسمانية أو ملامح شخصيته أو سنة ميلاده سواء في نصوص أهل الكتاب أو رواياتنا الإسلامية التي يمكن أن نستوثق من صحة بعض نصوصها .

ويجب أن نعلم أن النبي تحدث عن أكثر من خليفة صالح أو مهدي يظهر في هذه الأمة وعن المهدي الذي يخوض الملاحم الكبرى ويعاصر الدجال وينزل عيسي بن مريم من السماء لنصرته هو والمؤمنون الموحدون معه .

وقد خلط رواة الأحاديث ومخرجوها بين هؤلاء الخلفاء الصالحون أو المهديون ودمج معظمهم سيرتهم في سيرة مهدي الملاحم الكبرى ، فاختلط بذلك الحابل بالنابل وتاهت سيرة مهدي الملاحم في سيرة غيره من الخلفاء المهديين ناهيك عن الروايات والأحاديث الموضوعة في سيرته التي زادت الطين بله .

يؤكد وجود أكثر من خليفة أو مهدي وخلط الرواة بينهم ما أخرجه نعيم بن حماد عن سليمان بن عيسي قال : بلغني أن المهدي يملك أربع عشرة سنة ببيت المقدس ثم يموت ثم يكون من بعده رجل من قوم تبع يقال له المنصور أي وهو القحطاني يمكث ببيت المقدس إحدى وعشرين سنة ثم يقتل ثم يملك الموالي ويمكث ثلاث سنين ثم يقتل ثم يملك بعده هشيم المهدي ثلاث سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام . (الإشاعة لأشراط الساعة – البرازنجي – دار قتيبة – ص 256) .

فهذه الرواية علي ما بها من ضعف تشير لمهدي أول يملك ببيت المقدس ومهدي أو خليفة يلقب بالمنصور أو القحطاني ومهدي يلقب بالموالي أو من الموالي ومهدي أخير هو مهدي الملاحم في الغالب يلقب بهشيم .

كما اختلطت أحاديث الرايات السود التي خرج بها أبو مسلم الخراساني لدعم دولة العباسيين ضد الأمويين مع الرايات التي ستأتي لمبايعة ونصرة المهدي ، نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر الرواية التالية :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقتتل عند كنزكم هذه ثلاثة كلهم ولد خليفة لا تصير إلى واحد منهم ، ثم تقبل الرايات السود من خراسان فيقتلونكم مقتلة لم تروا مثلها ، ثم ذكر شيئا : فإذا كان ذلك فائتوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله . وفي رواية ابن عبدان : ثم تجيء الرايات السود فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ، ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي" رواه البيهقي (المصدر: دلائل النبوة - الصفحة أو الرقم: 6/515 ) .

فالرايات السود المذكورة بهذه الرواية هي الرايات التي خرج بها أبو مسلم الخراساني من خراسان وقتلت أعداد كبيرة من المسلمين ، لكن أنصار أبو مسلم أضافوا علي هذه الروايات ما يشير إلي أن هذه الرايات السود يقودها خليفة الله المهدي حتى يخدعوا الناس ويصوروا لهم أن أبو مسلم الخراساني هو المهدي المنتظر .

ولم يفطن الكثير ممن كتبوا عن المهدي من علماء السلف والخلف أو الباحثين المعاصرين لهذه الأكذوبة المدسوسة بالحديث ، فتوهموا أن الرايات السود في هذا الحديث غير رايات أبو مسلم الخراساني ، والحقيقة أن رايات مناصري المهدي لن تكون رايات سود لأن الرايات السود لا يحملها إلا أتباع الشيطان وعبدته ، أما رايات المؤمنون فدائماً تكون رايات بيضاء نقية .

ولا سبيل لفك هذا الارتباط والالتباس بين سيرة مهدي الملاحم وراياته وغيره من الخلفاء أو المصلحين المهديين سوي بالعودة لنبوءات الأنبياء الذين ذكروا هذا المهدي والمسجلة بكتب أهل الكتاب بعد تدقيقها وتمحيصها هي الأخرى واستبعاد ما أدخل عليها من تحريفات ، ثم يتم مقارنتها برواياتنا الإسلامية لنصل في النهاية إلي رسم أقرب صورة صحيحة يمكننا الوثوق بها إلي حد ما لسيرة وعلامات خروج وحروب وملامح شخصية المهدي المنتظر .

ومن أقدم المخطوطات التي جاء بها ذكر للمهدي (المسيا المنتظر) سفر النبي أخنوخ وهو إدريس عليه السلام ، وقد أفاض النبي إدريس في الحديث عن هذا الرجل وحروبه في نهاية الزمان ، فأطلق عليه اسم مُبدأ الأيام وفي بعض التراجم رأس الأيام وفي أخري الرجل الذي يحمل اسم الأزلي وفي تراجم أخري قديم الأيام .

وذكر النبي دانيال عليه السلام هذا الرجل وسماه قديم الأيام وفي بعض التراجم الأزلي .

كما تحدث النبي إشعيا عليه السلام باستفاضة عنه وسماه المشيا (ماشيه أو ماشيح) وهو المخلص أو المنقذ وسماه في موضع آخر من سفره الرجل الغصن ، وأكد بالإصحاح 19 انه مصري الجنسية (سيخرج من مصر) .

كما سماه النبي زكريا بن برخيا عليه السلام بالرجل الغصن ، ويعد سفره ثاني سفر في العهد القديم يتحدث باستفاضة عن هذا الرجل بعد سفر إشعيا .

وأشار إليه النبي يعقوب وهو يعظ أبنائه عند موته وحذرهم أن نهاية بني إسرائيل ونهاية شريعتهم وملكهم ستتم علي يديه وسماه شيلوه أو شيلُه .

وفي العهد الجديد (الإنجيل) جاء ذكر المسيا علي لسان عيسى بمعظم الأناجيل ، وأختص سفر الرؤيا وهو أخر سفر بالعهد الجديد بالحديث باستفاضة عن هذا الرجل وحروبه مع الدجال وقوي الشر ، وأُطلق عليه في السفر اسم الخروف وفي الترجمة السبعينية اسم الحمل ( أي الرجل المسالم أو الوديع ) وجاء بإصحاحات هذا السفر الاثنين والعشرون ما سيقع علي الأرض من أزمات ونكبات يضرب بها الله أمم الأرض كلها قبل مجيء هذا الرجل نتيجة لخطاياهم ومعاصيهم والقوي العظمي التي ستظهر علي الأرض في القرن الذي سيولد فيه والقرن اللاحق له والذي سيخرج فيه الدجال وينزل فيه إبليس علي الأرض وتدور فيه المعارك بين هذا الرجل والقديسون المؤمنون معه وبين الدجال والقوي العظمي التي يحركها إبليس إلى الوقت الذي يأتي فيه عيسي (ابن الإنسان) من السماء لنصرة هذا الرجل وجنوده والقضاء علي كل قوي الشر.

ويمكننا من خلال ما جاء بسفر الرؤيا وسفر إشعيا وسفر زكريا وسفر دانيال عن هذا الرجل الذي سيخوض معارك نهاية الزمان أن نرسم صورة واقعية لشخصيته نلخص أهم ملامحها في الآتي :

1. لهذا الرجل مكانة عظيمة عند الله فهو عصا الله الحديدية التي سيضرب بها كل العصاة والجبابرة والأشرار والظلمة ، وقد افتتحت أول رؤيا في سفر الرؤيا بمشهد كان هذا الرجل يجلس فيه بجوار الله وعلي يمينه في عرشه مما يدل علي قربه من الله وعظم مكانته عنده .

2. سيفك هذا الرجل طلاسم وأسرار وختوم سفر الرؤيا ويكشف هوية وحقيقة القوي العظمي المذكورة به واهم الختوم والنكبات التي ستقع علي الأرض (علامات الساعة) ، ويمكن مراجعة بعضاً من هذه النصوص والتفسير الصحيح لها بكتبنا " الحرب العالمية القادمة في الشرق الأوسط" و "هلاك ودمار أمريكا المنتظر" و "يأجوج ومأجوج قادمون" و "أسرار سورة الكهف ومشروع ناسا للشعاع الأزرق" و "اقترب خروج المسيح الدجال" .

3. لهذا الرجل اسم كما ذكر بسفر الرؤيا لن يعرف أحد سواه أسراره وألغازه ويدعى اسمه كلمة الله ، وسوف يهديه الله لفك طلاسم وألغاز وأسرار هذا الاسم في جميع نبوءات الأنبياء فيشرحها للناس وتكون هذه العلامة من أهم العلامات الدالة علي صدقه وأنه الرجل المقصود في هذه النبوءات .

4. رجل عادل وحكيم ومسالم ووديع (يتسم بصفات الخروف أو الحمل) ولكنه في نفس الوقت رجل صارم ومقاتل ودكتاتور في بعض قراراته وجبار في الانتصار للحق ، فهو رجل يجمع في شخصيته الكثير من المتناقضات ، ولهذا فهو الرجل الكامل الذي سيجد فيه الضعفاء والمساكين والمظلومين الرحمة والعدل والمساواة ، ويلقى منه الجبابرة والفاسدين والأشرار أشد أنواع القسوة والعذاب والانتقام والتنكيل بهم ، فهو لا يتصرف كما قال إشعيا عليه السلام بحسب أهوائه بل بحسب الحق والعدل وبما يرضى الله وهو لا ينتقم لنفسه بل لله وللمظلومين .

5. يمتلك هذا الرجل ذكاء شديد ودهاء عظيم وذو علم واسع وغزير لذا ستلتف حوله معظم شعوب الأرض وترضي بحكمه وأحكامه ، وسيركز في بداية دعوته علي محاربة المتاجرين بالدين والانتهازيين السياسيين ومثيري الفتن في كل الأديان والمذاهب المختلفة ، وسينجح في توحيد كل الأديان في ديانة واحدة هي دين الله الحق .

6. يتصف هذا الرجل بالأمانة والصدق كما جاء بسفر الرؤيا فهو صادق وأمين .

7. سيستخدم هذا الرجل في البداية فمه أو لسانه وعقله للاحتجاج والتحاور مع خصومه وكل أهل الأرض ثم سيلجأ مع العصاة والمتمردين علي الله والمفسدين في الأرض للعنف والقتال واستخدام اقسي واعتي آلات وأدوات الحرب ضدهم وسينكل بالجميع ، فهو رجل سلام ورجل حروب ودموي في نفس الوقت فعندما يغضب للحق يضرب بمنتهى القسوة والعنف .

8. تكمن أهم أسلحة هذا الرجل في لسانه كما ذكر بالإصحاح 19 من سفر الرؤيا ، فمن فمه يخرج سيف ماضي يضرب به كل الأمم ، وهو ما يدل علي أن هذا الرجل له حجج وبراهين سيقحم بها كل أمم الأرض في الكثير من القضايا التاريخية والدينية المزيفة أو المعتم عليها التي يفجرها بقلمه أو لسانه ، أي أنه سيكون خطيب أو صحفي أو كاتب أو باحث أو رجل مفكر ومجدد يصحح المفاهيم الخاطئة والمعتقدات التي أسيئ فهمها في الإسلام والأديان السماوية .

9. سيقوم هذا الرجل بإعادة بناء هيكل الرب كما جاء بالإصحاح السادس من سفر زكريا (أي سيقوم بإعادة بناء بيت الله الحرام بمكة بعد تدنيسه كما شرحت بكتاب مشروع تجديد الحرم المكي).

10. سيعم الخير والسلام والنعيم علي كل أهل الأرض في فترة حكمه مع عيسي عليه السلام.

وقد قام بعض الباحثين المسلمين بإسقاط النصوص الواردة في المسيا المنتظر وشيلوه وقديم الأيام علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ، بحجج وبراهين واهية لا تستقيم مع سياق النصوص أو الأحداث التاريخية الثابتة والموثقة (ولا شك أن هناك الكثير من النصوص في التوراة والإنجيل تخص سيدنا محمد وتنطبق عليه ولا مجال لذكرها هنا)

وقد وقع هؤلاء الباحثين في هذه الأخطاء لأنهم لم يلاحظوا أن هذه النصوص الخاصة بشيلوه وقديم الأيام والمسيا تصرح بأن هذا الرجل سيبيد بني إسرائيل ويحارب الدجال ودول أوربا وأمريكا ويبطل العمل بشريعة التوراة ، ويحرر بيت الله الحرام من رجسة الخراب التي يقيمها الدجال به ، ويحرر فلسطين من الاحتلال اليهودي لها ، ويلتقي بعيسي عند عودته من السماء ويحاربا معاً قوم يأجوج ومأجوج .

وهذه الأحداث لم يقع أي حدث منها مع سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لأن اليهود في زمانه كانوا مشتتين في الأرض ولم يكن لهم تواجد بأرض فلسطين ، ولم يحارب النبي الدجال ودول أوربا والزانية العظيمة (أمريكا) ، ولم يقم النبي محمد بإعادة بناء بيت الله الحرام بمكة بعد تدنيسه برجسة الخراب (الهيكل الوثني الذي سيبنيه الدجال بمكة) ، ولم يبطل العمل بالشريعة اليهودية بل طالبهم بالالتزام بها كما صرح القرءان بذلك في قوله تعالي :

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة : 43]

ففي زمن النبي طلب الله منه أن يرفض التحكيم بين اليهود الذين يأتون إليه لمعرفة حكم معين وان يطالبهم بتطبيق حكم التوراة في هذا الأمر وهو ما يعني عدم إلغاء النبي لشريعة التوراة في زمانه لأن هذا الإلغاء لم يأتي وقته ولم يأذن به الله في عصره لأنه مرتبط بوعد الآخرة المذكور في سورة الإسراء بعد أن يعيدهم من الشتات إلى ارض فلسطين.