المهدي المنتظر في القرآن الكريم
قال تعالى وهو أصدق القائلين: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) (سورة النحل، آية: 89)، ومعنى هذا أنه ما من شيء على الإطلاق إلا وقد بينه الله في هذا القرآن.
لكن عملية استخراج وتحديد بيان كل شيء، أو أي شيء في القرآن الكريم عملية فنية من جميع الوجوه، بمعنى أنها تحتاج إلى رجل مؤهل إلهيا، ومختص ومزود بالقدرة على معرفة مواضع بيان أي شيء في القرآن الكريم. وهنا يكمن سر التكامل والترابط العضوي الوثيق بين كتاب الله المنزل، ونبي الله المرسل، فالكتاب يحتوي بيان كل شيء، والنبي يعرف حصة كل شيء من هذا البيان معرفة يقينية وبلا زيادة ولا نقصان أي تماما على الوجه الذي أراد الله.
لذلك كانت مهمة الرسول الأساسية منصبة على بيان ما أنزل الله، قال تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) (سورة النحل، الآيتان 44 و 64). فلا يعرف بيان الكتاب لأي شيء على الوجه اليقيني القاطع إلا النبي، أو الشخص المؤهل إلهيا القائم مقام النبي بعد وفاته. ولأن الرسول خاتم النبيين، ولأن الإسلام آخر دين، ولأنه لا بد من بيان القرآن، فقد خصص الله سبحانه وتعالى اثني عشر إماما، أو خليفة، أو نقيبا، أو أميرا وسماهم بأسمائهم،.
أمثلة من القرآن الكريم:
---قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (سورة التوبة، الآية: 33).
قال المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، أو بذل ذليل. إما يعزهم فيجعلهم من أهله فيعزوا به وإما يذلهم فيدينون له).
قال الرازي في التفسير الكبير ج 16 ص 40: (واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء، ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك ولا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة).
والمروي عن قتادة كما يقول السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 176 (ليظهره على الدين كله) قال: الأديان الستة: (الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) (سورة الحج، الآية: 17) فالأديان كلها تدخل في دين الإسلام.. فإن الله قضى بما حكم وأنزل أن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وفي تفسير ابن جزي ص 252: (وإظهاره جعله أعلى الأديان وأقواها حتى يعم المشارق والمغارب) وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نص عليه جملة من المفسرين، (تفسير الطبري ج 14 ص 215، والتفسير الكبير ج 16 ص 40، وتفسير القرطبي ج 8 ص 121، والدر المنثور ج 4 ص 176 راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 22).
وفي الدر المنثور: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن جابر في قوله: (ليظهره على الدين كله) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام
لم يظهر الاسلام بعد
فهل ظهر الاسلام علي الدين كله وتحقق الوعد الالهي.
دلالة
جاء في الاثرفي الأثر عن الإمام الباقر بان الاية تخبربظهورالامام  المهدي في آخر الزمان، وأنه بتأييد من الله تعالى سيظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأديان حتي يكون الدين كله لله فلا دين الا الرسالة الخاتمة
---قال تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) (سورة سبأ، الآية: 51).
أخرج الطبري عن حذيفة بن اليمان أن المعنى في هذه الآية منصب على الجيش الذي سيخسف به، وقد تواترت الأحاديث بأن جيشا سيرسل للقضاء على المهدي، وأنه سيخسف بهذا الجيش، وهذا الخسف لم يحصل للآن، وحدوثه مرتهن بظهور المهدي. (راجع تفسير الطبري ج 2 ص 72، وعقد الدرر 84 ب 4 من الفصل الثاني، والحادي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 81، والكشاف للزمخشري ج 3 ص 467 ـ 468).
---قال تعالى: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم) (سورة الزخرف، الآية: 61)..
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528:
(قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل: (وإنه لعلم الساعة) هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وإماراتها).
وتجد مثل ذلك في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 162 ونور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص 186، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 126 باب 159.
فإذا ظهر الإمام المهدي وآلت قيادة الأمة إليه تبدأ عملية ترجمة الوعود الإلهية من النظر إلى التطبيق ومن الكلمة إلى الحركة، لأن ظهور المهدي سيكون في آخر الزمان، ومن أشراط قيام الساعة، ومن المحال عقلا أن تقوم الساعة ولا ينفذ الله وعوده لأنه.
أصدق القائلين، ولأنه لا يخلف الميعاد. كل هذه الظروف تجعل من البيان النبوي المفتاح لكل غموض، والطريق الفرد إلى اليقين، في كل متشابه والأساس لكل المعارف الدينية التي صاغت نظرية المهدي المنتظر في الإسلام، والتي بشرت بعصر الظهور. وهذا يستدعي بالضرورة وقفة مطولة عند كل ما صدر عن الرسول حول المهدي المنتظر بالذات وحول عصر ظهوره..